‏إظهار الرسائل ذات التسميات خواطر. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات خواطر. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، 25 أكتوبر 2010

حقاً أنها ملحمه أنسانيه

         

لا  أعلم السبب الذى يجعل الأغلبيه ممن يتكلمون عن مأساة غرق القرى النوبيه يتجاهلون فى أحديثهم ملحمة النوبيين فى منطقه الشلال تلك المنطقه التى كانت تقع ما بين الجندل الأول وقرية دابود ..... وعلى الرغم من أن النوبيين فى تلك المنطقه هم أول من عانوا من الأهوال التى ترتبت على بناء الخزان وهم أول من هاجروا من النوبيين هربا من الغرق .... ولكن ومع كل ما عانوا منذ 1890 عند وضع حجر الأساس لمشروع الخزان وحتى اليوم .... فأنهم وللأسف يتعرضون للأهمال من الجميع ولا يتذكرهم أحد عند الحديث عن الحقوق النوبيه ...... وقبل الأسترسال فى الحديث يجب التعريف بتلك القرى المنسيه .
قبل بناء الخزان كانت القرى النوبيه الواقعه إلى الشمال من قريه دبواد وحتى الشلال (الجندل الأول ) تعرف بأسم الشلا ليه وتتكون من قرى (تنقار – شمه الواح – محضر خور توندى (كوندى) – اتمنى  - امشير – جبل شيشه – مرو تود) على ضفتى النيل وبالأضافه إلى ثلا ثه جزر هى ( جزيرة هيسا – جزيرة عواض – جزيرة بجا ) ...... وأدى القرب الشديد لتلك القرى من موقع الخزان الى غرقها غراقا كاملآ منذ البدء فى بناء الخزان .... ولم يكن أمام الأهالى ألا الهرب من الغرق فتمسكوا بالمرتفعات المحيطه ... ثم اضطروا مع الوقت للنزوح للأماكن الواقعه شما الخزان وأستقروا فى مناطق (غرب أسوان -الشلال - الجزيرة -عزبة العسكر -جزيرة أسوان - تنقار - جبل تقوق - بربر - نجع المحطة - عزبة المنشية -  جزيرة سهيل  -غرب سهيل - جزيرة هيسا  - منشية النوبة- البيجه- عزبة الحدود -الكرور- أراشكول -المسي تود ) ..... ومنهم من نزح  داخل مدينه اسوان فى مناطق (الحصايا - جزيرة عواض - الشيخ هارون ـ السيل – الخزان)
..... والغريب هو اهمال الحكومات المتعاقبه منذ بناء الخزان وحتى الأن لأهالى تلك القرى النوبيه على وجه الخصوص .... فلم تشملهم تعويضات بناء الخزان وذلك بسبب أن لجان حصر ممتلكات منكوبى الخزان شكلت بعد بناء الخزان غرق كامل أرضى تلك القرى تحت مياه الخزان فتم أهمال تعويضات النوبيين بتلك القرى لعدم أمكانية حصر ممتلكاتهم الغارقه .....  والأغراب هو قيام الحكومات المتعاقبه منذ مطلع القرن العشرين وحتى الأن بأنشاء الكثير من المشاريع التنمويه بمدينه اسوان وأهمال  اهالى تلك القرى أهمالآ  كليا فلم يفكر أحد فى مجرد شق ترعه بهذه القرى لمساعدة الأهلى على الزراعه التى اضطروا إلى هجرها بسبب صعوبه الأرضى التى اضطروا إلى النزوح إليها .... فالمنطقه مازالت حتى اليوم تفتقر أى نوع من الخدمات الأنسانيه البسيطه فلا توجد رعايه طبيه بأغلب تلك القرى فسكان جزيرة هيسا مثلا  مازالوا حتى يومنا هذا يعيشون بدون كهرباء أو مرافق او أى خدمات .... ولكن ذلك الأهمال لم يفت فى عزم نوبييو تلك القرى بلا  زادهم اصرارنا على ان يتشبثوا بما تبقى لهم من أرث الأجداد .... ليعيشوا إلى يوماً هذا وهم يسطرون ملحمه انسانيه يتعمد الجميع أغفالها عند الحديث عن الهموم النوبيه ..... والمضحك المبكى فى الأمر أن الدوله تتعامل معهم طوال الوقت على أنهم واضع يدى على أملاك الدوله وليس اصحاب حق أصيل فى الأراضى التى يقيمون بها ... وحتى عندما فكرت الدوله العام الماضى فى تقنين اوضعهم وتمكينهم من تملك أراضيهم بأعتبارهم من متضررى خزان أسوان ... تم وضع شرط متعسف لأتمام هذا التقنين هو ( أنه لن يتم تمليك الأراضى ألا  لمن يملك سندات ملكيه للأراضى القديمه التى غرقت ) .... وهو شرط مستحيل تحققه لسبب بسيط هو أن مصلحه الشهر العقارى وتوثيق الملكيه اسست عام 1904 وأراضيهم غرقت منذ بداية مشروع انشاء الخزان الذى أفتتح عام 1902 ... بمعنى أنه عند تأسيس الشهر العقارى كانت اراضى تلك القرى مغموره كليا بمياه الخزان ...... ويا ليت الأمر أقتصر على ذلك بل زاد الأمر بلاء وهماً على جموع النوبيين بتلك القرى ما ظهر أخيراً من مطامع لدى بعض مدعى الأستثمار فيأتى أحد نهابى البلد من منتسبى لجنة السياسات بالحزب الفاسد ليحاول أنشاء مشروع ( بورتو أسوان) فى منطقه غرب اسوان بل ويحصل على موافقه مبدئيه من محافظ اسوان على المشروع وبدون أدنى أعتبار لما تحويه المنطقه من أثار تاريخيه لم يكشف النقاب على اغلبها أو وجود أناس يعيشون بتلك المنطقه ....  والغريب أن من تصدى لذلك المشروع هم المرشدين الساحيين المصريين والأجانب العاملين بأسوان ومعهم بعض علماء الأثارالغير حكوميين (طبعا) ليجبروا (هيئه الأثار المصريه) على رفض المشروع ..... وما كاد الناس يهدأون على اثر رفض مشروع ( بورتو أسوان) حتى فوجئوا فى نفس العام بظهور مشروع جديد لأنشاء قريه سياحيه فوق الهضبه المطله على قرية غرب سهيل فى نفس المكان الذى يستخدمه ابناء القريه لتأخير الخيول والجمال للسائحيين الأجانب وتقوم الحياه فى غرب سهيل على تلك المهنه بعد ان تعثر على الأهلى الزراعه بسبب سوء الأراضى وايضا بعد أن قامت هيئه العامه للسد وخزان أسوان بمنعهم عن مزاوله الصيد ورفض اعطائهم تصاريح صيد على اساس انهم واضعى يد على أراضى الدوله فلم يبقى ألا  العمل على تأخير الخيل والجمال للسائحين الأجانب ليستطيع العيش ....ليأتى هذا المشروع ليقضى ليستولى على الاراضى التى يستخدموها لمزاولة تلك المهنه ..... وأكثر ما يثير الأسى والحسره هو أن صاحب المشروع الجديد رجل أعمال نوبى ..... نعم للأسف نوبى ..... ولكن مدى كان لرأس المال أنتماء أو وطن .... فأدعياء الأستثماروطنهم وهو رصيدهم البنكى وأنتمائهم هو لمن يزيد ذلك الرصيد ..... ولا يبالون بأى قيم بخلا ف مصالحهم الشخصيه ....  ولم يٌوقف المشروع إلا  شجاعة اهالى غرب سهيل وتمسكهم بحقهم فقد ثاروا على المحافظ أثناء حضوره مؤتمر جماهيرى بغرب أسوان ورددوا الهتافات المعاديه له والرافضه للمشروع وهددوا بتصعيد الأمر فأطضر المحافظ على سحب موافقته التى سبق ومنحها للمشروع وأرجع البعض ذلك إلى خشية المحافظ من الدخول فى صراع جديد مع النوبيين وخاصة مع ما كانت تشهده تلك الفتره من صراعات قائمه بين المحافظ والنوبيين حول توطين متضررى السد العالى بأماكنهم القديمه .... ولكن إلى متى سيستطيع أهالى القرى النوبيه بأسوان الصمود أمام أطماع جحافل المماليك الجدد من مدعى الأستثمار الذين يستندون إلى ما يربطهم من صلات وعلاقات فاسده بدوائر الحكم الفاسد ؟
كانت تلك نبذه صغيره عن ملحمه أنسانيه عظيمه نسيها الجميع وأهملها الكل وأمل ان تكون تلك مجرد بدايه لسرد اكثر تعمق ودراسه لتلك الملحمه الأنسانيه .

التهجير جريمه لن نسامح من تسبب فيها



بينما انشغل العالم اجمع فى الحدثين الأهم فى ذاك الوقت ( بناء السد العالى وانقاذ اثار النوبه المعرضه للغرق ) لم ينتبه احد للأنسان النوبى الذى عمر تلك المنطقه منذ فجر التاريخ وصنع اجداده تلك الأثار كشواهد على قدم تلك المنطقه وأصالة تلك الحضاره فكان جزاء هذا النوبى النسيان والأهمال وتم تهجير النوبيين بعشوائيه غريبه وكأن القائمين على الأمر لم يروا النوبيين ولم ينبهوا لوجودهم وفوجئوا بهم .
ومع احترامى وتقديرى لقيمة السد العالى كمشروع تنموى مهم و نبل مقصد كل من ساهم فى انقاذ الأثار لما تمثله من قيمه حضاريه وتراث أنسانى يجب الحفاظ عليه ولكنى ذلك لا يجعلنى اغفر او انسى حجم المعاناه والتى عاشها ابائى واجدادى الذين شاء حظهم العثر ان يتواجدو فى هذا المكان ويعيشوا تلك المأساه التى ورثوها لنا نحن ابنائهم مرارتها  .

وأذا كان نجاح فى انجاز مشروع السد يحسب كأحد أهم انجازات القياده السياسيه بمصر فى ذاك الوقت وكدليل على مدى قوة وصلبة أرادة الشعب المصرى بكل طوائفه وفئاته  ..... وبالمثل فنجاح الحمله الدوليه لأنقاذ الأثار يحسب كأنجاز لوزارة الثقافه ووزيرها المثقف دكتور ثروت عكاشه لسعيه من اجل حشد العالم اجمع من اجل المساهمه فى ذلك العمل الأنسانى النبيل (ويجب هنا الا ننسى تأثير زيارة مدير متحف المتروبوليتان للدكتور ثروت عكاشه فى دفعه الى اطلا ق النداء الدولى لأنقاذ الأثار ...... مما يعنى أن الأثار كان من الممكن ان يصيبها الأهمال لولا  تلك الزياره)....... فأن سوء التخطيط المصاحب لتهجير النوبيين والفشل فى توفير هجره كريمه لمن ضحى بأرض اجداده خطأ وفشل لا يمكن غفرانه أو نسيانه أو مسامحة كل من شارك فيه بداءَ من اصغر موظف الى اكبر مسؤل
فالتاريخ لن يغفر ما حدث ولن يرحم كل من تسبب فى وفاة 1500 طفل من جراء التهجيروالأهمال وفى عذاب المسنين وعدم احترام تضحيهم .
وما يثير الحنق والسخط على ما حدث هو انه كان من الممكن وبالقليل من التخطيط السليم  ان يتم تنفيذ التهجير بشكل يحفظ ادمية الناس ويراعى أحتياجاتهم فمن المعروف ان التفكير فى بناء السد بداء مع بدايات الثوره واول حديث عنه كان خبر نشر فى جريده الأهرام فى شهر ديسمبر عام 1952 أى بعد خمسة أشهر من قيام الحركه المباركه ( كما كان يطلق عليها وقتها) وتكلم الخبرعن أن الدوله تدرس امكانية اقامة سد بديلآ عن خزان اسوان ... وبداء التنفيذ الفعلى بعد الأتفاق مع الحكومه العسكريه بالسودان فى ذلك الوقت على اغراق مدينه حلفا عام 1958..... وأنطلقت الحمله الدوليه لأنقاذ الأثار عام 1959 ..... وذهب الرئيس عبدالناصر الى اسوان فى عام 1960  ووضع حجر الأساس لمشروع السد العالى وذهب الى  النوبه والتقى بالنوبيين وألقى خطابه الشهير بجوار معبد ابوسمبل ذلك الخطاب الذى وعد فيه النوبيين بالخير والنماء والحياه الكريمه بمهجرهم الجديد  ....... ثم تم تهجير النوبيين فى اكتوبر 1963 .
وعلى الرغم من تأخير تهجير البشر كل تلك الفتره فأن التهجير تم بمنتهى العشوائيه والتعجل ولم يجد اغلب المهجرين منازل لهم فى مهجرهم الذى هجروا اليه .
وهل هناك وصف يمكن اطلاقه على ما حدث غير الفشل والأهمال وسوء التخطيط ؟
وما يثير الحنق ويصيبنى شخصيا بالغثيان هو ما يحاول البعض الأتيان به من كلام غريب للدفاع عمن قام بذلك من عينة (ما النوبيين بيعانوا من ايام الملكيه ) او (ما النوبه غرقت من ايام الخزان) وكأن ما قام به نظام ملكى مستورد ومتعاون مع قوى الأحتلال يعطى المبرر للحاكم الوطنى لأن يفعل بالناس مثل ما فعل بهم النظام الغاصب الغير منتمى للبلد .
وردى على مثل هذا المهاترهات الفارغه بسيط فخزان اسوان تم بنائه من اجل زيادة الرقعه الزراعيه للتوسع فى زراعة القطن لصالح مصانع النسيج (الأنجليزيه) أى لصالح المحتل ومن الطبيعى ان تقوم دولة الأحتلال باستنزاف ثروات الدول التى تحتلها (كما تفعل امريكا الأن مع البترول العراقى مثلآ) .
ولكن السد العالى تم بنائه من أجل بناء اقتصاد وطنى حر وقوى وعند التهجير وعد النوبيين بأن يجدوا فى مهجرهم كل وسائل المدنيه وسيتم توفير منازل لهم على نفس نمط المنازل التى ألفوها فى بيئتهم الأصليه وغيرها من الوعود البراقه (وده طبعا بخلاف التهديدات المتواريه لمن حاول الرفض ) وعندما ذهبوا الى تلك الجنه التى وعدوا بها لم يجدوا الا العقارب والثعابين فى انتظارهم الى جانب منازل اسمنتيه لا تراعى الظروف المناخيه للمنطقه والغريب ان اغلب تلك المنازل لم تكن جاهزه عندما وصلوا الى المنطقه (اغلب البيوت كانت عباره عن علامات جيريه على الأرض تحدد مكان البناء )
فهل يمكننا أن ننسى تلك المأساه ؟
أو أن نغفر ونسامح من تسبب فيها ؟

منكوبى الخزان






1902 تاريخ بناء خزان اسوان ... ذلك الخزان الذى شرع حكام مصر العلويين (اسره محمد على ) فى بنائه بالأتفاق مع المحتل الأنجليزى من أجل حجز الفائض من مياه النيل خلفه للأستفاده منها للتوسع فى زراعة القطن لتشغيل مصانع النسيج بدولة الأحتلال .... ولم يشغلوا بالهم بمجرد التفكير فى مصير القرى الموجوده خلف المكان المقترح لبناء الخزان وماذا سيكون مصير أهالى تلك القرى بعد أرتفاع منسوب المياه خلف الخزان ذلك الأرتفاع الذى سيؤدى إلى غرق تلك القرى .... بل أنهم لم يحالوا تنبيه أهالى تلك القرى ..... وهذا أمر ليس بغريب على محتل غاشم لا يهمه سوى مصالحه الخاصه ومصالح أصحاب المصانع فى دولته غير مبالى او عابئ بمصالح مواطنى الدوله التى يحتل أراضيها ... المهم تم بناء الخزان وأرتفع منسوب المياه 106 متر خلفه لتغرق عشر قرى نوبيه بدون أى سابق انذار ويتمسك النوبيين بالبقاء فى اماكنهم التاريخيه ويعيدون بناء بيوتهم فى المرتفعة القريبه ... ولم يكادو يلتقطون انفاسهم من هول المأساه الأولى حتى يفاجئوا بقيام الدوله بتعلية الخزان 1912 ليصل منسوب المياه إلى أرتفاع 114متر لتتكرر المأساه ويتكرر اخرى القرى العشر ويضاف أليهم ثمانى قرى جديد ويكرر النوبيين ملحمة الصمود ويعدون البناء فى المناطق التى تعلوالمناطق الغارقه .... للمره الثالثه فى 1932 يتم تعلية الخزان للمره الثانيه ليصل منسوب المياه الى ارتفاع 121متر ويعاد أغراق القرى التى أغرقت من قبل اغراق كامل مكرر ويضاف اليها عشر قرى جديد .... وتغرق النوبه التاريخيه بشكل شبه كلى وتتحول النوبه إلى شريط ضيق على النيل لا يتعدى اتساعه عن مائتين يارده (حوالى182.880 متر تقريبا )* .... ولم ينجو من هذا البلاء إلا القرى النوبيه الواقعه فى أقصى الجنوب على حدود السودان وهى( أدندان – بلانه – قسطل – ابوسمبل ) ..... فتعالت اصوات النوبيين تصرخ وتستنجد من هول ما أصابهم وكثرت الشكاوى النوبيه والعرائض التى تستجدى الرحمه من الظلم الواقع وأنبرى ابناء النوبه المتعلمين فى الدفاع عن حقوق أهاليهم وظهر النواب النوبيين فى مجلس النواب يستصرخون على أمل أن يجدوا من يسمع شكواهم ..... ولكن لم يجدوا من ينصفهم وبل تعمدت الحكومات الملكيه المتعاقبه على ابخاسهم حقوقهم وعملت تلك الحكومات على أستصدار قوانين خاصه أقل ما توصف به هى انها قوانين مجحفه  لتعويض ( منكوبى الخزان ) وهو الأسم التى كانت المكاتبات الحكوميه تشير به إلى النوبيين ... فكانت التعويضات الهزيله التى تصرف طبقا لتلك الوانين المجحفه لا تغنى ولا تسمن من جوع بل أنها تبددت فى ايدى النوبيين سريعا .... وتسبب أغراق الأراضى وضعف التعويضات فى أجبار بعض النوبيين أن لم يكن أغلبهم فى الهجره إلى القاهره والمدن الكبرى بمصر بحثا عن أى فرصه للعمل لكسب بعض المبالغ القليله ليرسلها إلى ذويهم الموجودين فى بلادهم المنكوبه فى محاوله منهم لمساعدتهم على القدره على العيش وأنقاذهم من ويلات الفقر الذى أصابهم من جراء ما حدث ..... ولم يخلو منزل او عائله فى القرى النوبيه المنكوبه أنذاك من اغتراب أحد رجالها عن القريه للعمل بمدن مصر المختلفه ... بذلك بدأت أول فصول المأساه النوبيه .
والأن وبعد هذا العرض المبسط لمأساة النوبيين ومعاناتهم من جراء غرق معظم قراهم يتبادر إلى الذهن سؤالآ هاماً وهو ( أذا كان النوبيين قد تكبدوا كل تلك الأهوال من منذ مطلع القرن العشرين فلماذا يصرون على تحميل الحقبه الناصريه وتهجير 1964 كامل الذنب ؟)
ولن اطيل فى سرد الأسباب والمبررات للأجابه على هذا السؤال على الرغم من أحترامى لمغزاه ولكنى سأكتفى بأن اردد ما أجتمع على قوله أغلب كبار السن من النوبيين الذين عاصروا تلك الأحداث فقد قالوا ( أحنا كنا قبل التهجير بنروح نشتغل فى مصر ونتغرب عن اهالينا بس كل واحد فينا كان عارف جواه أنه لازم هيجى يوم ويرجع لأهله وبلده وناسه عشان يعيش اليوميين اللى باقين له فى الدنيا فى وسط أهله ويدفن جنب النيل فى ارض جدوده ... وبعد ما هجرونا باقينا عملين زى النخل اللى اتخلع من جذوره وما باقيناش عارفين لنا مكان .. وعشان كده ظلم التهجير كان اصعب علينا من كل اللى قبله) .
وهذا الكلام وعلى الرغم من بساطته فأنها يحمل الكثير من المعانى والأيماءات ولكنى أفضل أن أختم به هذا الجزء من الخواطر او(حديث النفس ) كما افضل أن أطلق عليه .


الأربعاء، 20 أكتوبر 2010

ميراث الشجن




أصعب شئ فى الوجود  هو أن يرث الأنسان الشعور بالحزن والأسى منذ الميلاد ويصبح الحزن ملازما له فى حاله وترحاله ويشعر به فى كل وقت ويراه فى عين أمه وأبيه وأقاربه الكبار فى السن وهو طفلآ لايعى لم كل هذا الحزن والشجن وعندما يحاول أن يفهم لا يجد أجابه شافيه لتساؤلاته الحائره ويزداد بداخله الغموض والحيره عن سر ذلك الحزن المخيم من حوله ..... حقيقيةَ اجد من الصعب على الكلمات أن تصف ذلك الشعور الرهيب ... وتلك المشاعر الحزينه .... وذلك الأرث الصعب الذى ورثناها  كنوبيين ولدنا بعد التهجير ولم نرى ذلك الفردوس الضائع الذى سمعنا عنه من حكايات الأباء والأجداد واحسسنا به وعايشناه من خلال رؤيتنا لنبرة الشجن فى اصواتهم ولمحة الحزن فى أعينهم عند حديثهم عن النوبه ..... كيف كانت ..... كيف ضاعت .... وكيف أجبروا على هجر مراقد أبائهم ومراتع صباهم ..... ونخيلهم ونيلهم .... وكيف غرقت النوبه تحت مياه السد .... وضاعت الأرض والنخيل التى توارثوها جيلآ بعد جيل منذ ألاف السنين ... وكيف تشتت المجتمع النوبى ما بين صحراء كوم أمبو وأسنا ومدن مصر المختلفه ..... لنولد نحن فى هذا الشتات الصعب بعد أن غرقت النوبه لنزيد من معاناة الأباء الذين لم يستطيعوا الحفاظ على أرث الأجداد الذى ورثوه عن ابائهم ولم يستطيعوا أن يورثوه لنا نحن أبنائهم فيستعيضوا عن ذلك بأن يورثونا حنين جارف إلى النوبه التى ضاعت وحلما دائما بالعوده الى تلك الجنه التى غرقت لنكمل نحن حياتنا فى ظل شعور بالأغتراب الوجدانى والتشتت ما بين واقع صعب مجبرين علي العيش فيه وحلماَ جميلآ نتمنى تحقيقه .. ونحيا وكأننا أجساداَ بلا أرواح بعد أن فارقتنا أرواحنا منذ الميلاد لتهيم حائره فوق بحيرة ترقد تحتها جنتنا المفقوده ضنى علينا من أقاموها بمجرد أن يطلقوا عليها أسم الأرض المدفونة تحتها .... فسموها بحيرة ناصر ......وبحيرة السد ...... ولكننا لا نعرف لها أسم .... إلا بحيرة النوبه ....... فبما أنها كانت مقبرة لنوبتنا .... فمن حقنا أن يكون شاهد القبر بأسم ...... النوبه المدفونه تحت ميائها .
وبسبب ذلك الأرث الصعب أصبح الحديث عن التهجير ورغم مرور كل تلك السنوات هو حديث الشجن والأسى ..... حديث  ملئ بالحنين والشوق إلى العوده .......
 وعلى الرغم من اقتناعى بأن المأساه بدأت قبل التهجير بسنين طويله ولكن حتى هذا لا يقلل  من هول مأساة التهجير الأخير التى أدت الى تعمق شعور الأغتراب والتشتت بداخلنا كنوبيين  ...... ولذلك فسيظل التهجير هو المأساه التى لا يمكن أن تمحى من ذاكرة الأجيال النوبيه .
...

الأحد، 5 سبتمبر 2010

سامحك الله يا امى




جار الساقيه فى العصريه-------- نحكى حكاوى
والافراح هتملى الناحيه -------- ويا غناوى
مشتاقين يا ناس لبلاد الدهب

جلست بعد صلاة العصر بجوار الساقيه اتابع الاطفال وهم يمرحون من حولى ثم لا أدرى لماذا وجدت نفسى ارددهذا المقطع من اغنية الراحل احمد منيب فترحمت على ذلك الفنان النوبى الاصيل الذى عاش يحلم بالعوده الى ربوع النوبه على ضفاف النيل وشاء القدر ان يرحل عن دنيانا قبل تحقيق الحلم فسالت الله له الرحمه وحمد الله ان كتب لى ان اعيش تحقيق ذلك الحلم .ثم مضت بى الذاكره فى ذكريات تحقيق ذلك الحلم الذى حلم به الاباء والاجداد منذ اول يوم من ايام التهجير القسرى والاجبارى فى ستينات القرن الماضى وتذكرت مقدار ما قاسوا وهم يشاهدون قبور اجدادهم ومراتع صباهم وهى تغرق من اجل بناء السد وكانوا يواسون انفسهم بانهم ما ضحوا بارض الاجداد الا من اجل ان يعم الخير والتنميه كافة ربوع مصر وكان يحدهم الامل ان يجدو فى مهجرهم ما وعدتهم به ابواق النظام الحاكم من خير وتنميه وكيف لا وقد زارهم رأس النظام وزعيم الامه . .ثم كم قاسوا وندموا اشد الندم بعد ان تخلت عنهم الدوله واكتشفوا ان تضحيا تهم ذهبت ادراج الرياح وان الدوله بعد ان هجرتهم لم تقدم لهم الا السراب . ثم تقدمت بى الذكريات وتذكرت كل محاولة ابناء النوبه الشرفاء من اجل العوده وكم جاهدوا وطرقوا كافة الابواب والسبل طوال ما يربو عن الخمس والاربعون عاما ثم كيف تهيئة لهم تلك العوده .وتبسمت عند تلك النقطه متذكرآ ايامنا الاولى هنا فى ارض الاجداد وكيف قاسينا وتعبنا نحن ممن ولدنا فى مدن الشتات لنتحول الى مزارعين وكم كنا فرحين بما نعانى لأيماننا باننا نضع اللبنه الاولى من اجل تحقيق الحلم . وهاهو الحلم قد تحقق ومرت السنوات واثمرت الارض الطيبه واصبح حصاد ما نزرع يكفى ويفيض ويغطى جزء لا بأ س به من العجز فى المحاصيل الزراعيه بكافة انحاء مصر وكأن هذه الارض الطيبه ارادت ان تثبت ان الخير والنماء لا يتحقق ألابوجد ابنائها بها .وها انا ألان اجلس فى روبى اجدادى ومن حولى ابنائى .
وانتبهت فجاءه فقد اخذتنى الذكريات فلم انتبه للاطفال وسهوت عنهم فأين ذهبوا هؤلاء الاشقياء فطمأنت نفسى بانه لايوجد شئ اخشى عليهم منه لعلهم ذهبوا الى امى فهم يأنسوا بالجلوس معها ويستمتعون بما تروى لهم من قصص وحكايات طفولتها فى البلد القديمه قبل بناء السد او لعلهم ذهبوا الى بيت اخى ليلعبوا مع ابنائه او ذهبوا للعب مع اياً من ابناء القريه كعادتهم فهم لا يكفون عن اللعب والمرح فى كافة انحاء القريه امنين مطمئنين ولم لا وقريتنا لاوجود للغرباء بها فكل اهل القريه هم من الاقارب والحمد لله ولكن مع ذلك استبد بى شعور غريب بالقلق لا اعرف سببه فقررت ان انهض من مجلسى لابحث عنهم لعلى ابدد ما يساورنى من قلق .
وبينما انا سائر بين الحقول سمعت صوتا خافتا ينادى باسمى فنلفت بحثا عن مصدر الصوت وفنزلقت قدمى ووقعت ثم احسست بشئ لا اراه يجذبنى بشده وكانى سقطت فى رمال متحركه فحاولة التشبث باى شئ على امل مقاومة ما يجذبنى الى اسفل واحسست وكأن الارض تحاول ابتلاعى ثم فجأه اذا بالصوت الذى ينادينى يعلو ويتضح وخيل الى انه صوت امى فقلت ممنيا نفسى عساها امى تعمد الى مكانى فتاتى لى بالنجده فحاولت ان انادى عليها ولكن لم اقوى وكان لسانى قد شل واظلمت الدنيا من حولى فلم اعد ارى اى شئ من حولى ولكن اكثر ما هالنى انه كلما اقترب صوت امى كلما زادت قوة الشئ الذى يجذبنى وزادت الظلمه من حولى ثم فجأه فتحت عينى لاجد نفسى نائما على سرير وامى تجلس بجوارى وحينما رأتنى انظر اليها صاحت باسمه (ماكل هذا النوم يا ولدى لقد اجهدتنى ساذهب لأعد لك الشاى فلا تعد الى النوم حتى لا تتاخر ( وخرجت من الحجره فاندهشت وجلست على طرف ذاك السرير واخذت احملق فيما حولى مندهشا !!! وفجأه انتبهت فانا فى بيتنا نعم فى البيت ولكن لا لاما هذا فانا الان فى بيتنا ولكن للأسف بالقاهره وما مر بى لم يكن ألا حلم فتحسرة ووجد نفسى اجهش فى البكاء اسفا وحسرتا على هذا الحلم الذى كنت به واخذت ابكى بكل جوانحى مرددا سامحك الله يا امى لم ايقظتنى من ذاك الحلم ؟ لماذا كنت انت القوى التى جذبتنى مما كنت به من نعيم سامحك الله ---------سامحك الله----------سامحك الله.

------------------------------------------------
والان ايها الساده فلنترك هذا البائس المسكين لعله يقدر ان يجمع شتات نفسه ويستعيد رباط جاشه حتى يستطيع الذهاب الى عمله.
ولكن يبقى لنا سؤال ملح هل من الممكن تحقيق حلم ذلك المسكين قبل ان تضل به الخطى ويتوه فى طرقات هذه المدينه القاسيه التى ما سميت قاهره ألا لقهرها لأحلام من شاء حظه العسر ان يكون من قاطنيها؟
حقا هل من الممكن ان يتحقق ذلك الحلم؟
ذاك هو السوأل الصعب


ابن النوبه
القاهره فى
25-12-2009