أصعب شئ فى الوجود هو أن يرث الأنسان الشعور بالحزن والأسى منذ الميلاد ويصبح الحزن ملازما له فى حاله وترحاله ويشعر به فى كل وقت ويراه فى عين أمه وأبيه وأقاربه الكبار فى السن وهو طفلآ لايعى لم كل هذا الحزن والشجن وعندما يحاول أن يفهم لا يجد أجابه شافيه لتساؤلاته الحائره ويزداد بداخله الغموض والحيره عن سر ذلك الحزن المخيم من حوله ..... حقيقيةَ اجد من الصعب على الكلمات أن تصف ذلك الشعور الرهيب ... وتلك المشاعر الحزينه .... وذلك الأرث الصعب الذى ورثناها كنوبيين ولدنا بعد التهجير ولم نرى ذلك الفردوس الضائع الذى سمعنا عنه من حكايات الأباء والأجداد واحسسنا به وعايشناه من خلال رؤيتنا لنبرة الشجن فى اصواتهم ولمحة الحزن فى أعينهم عند حديثهم عن النوبه ..... كيف كانت ..... كيف ضاعت .... وكيف أجبروا على هجر مراقد أبائهم ومراتع صباهم ..... ونخيلهم ونيلهم .... وكيف غرقت النوبه تحت مياه السد .... وضاعت الأرض والنخيل التى توارثوها جيلآ بعد جيل منذ ألاف السنين ... وكيف تشتت المجتمع النوبى ما بين صحراء كوم أمبو وأسنا ومدن مصر المختلفه ..... لنولد نحن فى هذا الشتات الصعب بعد أن غرقت النوبه لنزيد من معاناة الأباء الذين لم يستطيعوا الحفاظ على أرث الأجداد الذى ورثوه عن ابائهم ولم يستطيعوا أن يورثوه لنا نحن أبنائهم فيستعيضوا عن ذلك بأن يورثونا حنين جارف إلى النوبه التى ضاعت وحلما دائما بالعوده الى تلك الجنه التى غرقت لنكمل نحن حياتنا فى ظل شعور بالأغتراب الوجدانى والتشتت ما بين واقع صعب مجبرين علي العيش فيه وحلماَ جميلآ نتمنى تحقيقه .. ونحيا وكأننا أجساداَ بلا أرواح بعد أن فارقتنا أرواحنا منذ الميلاد لتهيم حائره فوق بحيرة ترقد تحتها جنتنا المفقوده ضنى علينا من أقاموها بمجرد أن يطلقوا عليها أسم الأرض المدفونة تحتها .... فسموها بحيرة ناصر ......وبحيرة السد ...... ولكننا لا نعرف لها أسم .... إلا بحيرة النوبه ....... فبما أنها كانت مقبرة لنوبتنا .... فمن حقنا أن يكون شاهد القبر بأسم ...... النوبه المدفونه تحت ميائها .
وبسبب ذلك الأرث الصعب أصبح الحديث عن التهجير ورغم مرور كل تلك السنوات هو حديث الشجن والأسى ..... حديث ملئ بالحنين والشوق إلى العوده .......
وعلى الرغم من اقتناعى بأن المأساه بدأت قبل التهجير بسنين طويله ولكن حتى هذا لا يقلل من هول مأساة التهجير الأخير التى أدت الى تعمق شعور الأغتراب والتشتت بداخلنا كنوبيين ...... ولذلك فسيظل التهجير هو المأساه التى لا يمكن أن تمحى من ذاكرة الأجيال النوبيه .
...
...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق